المخاطر الخفية في الشركات الريادية
تُعد إدارة المخاطر في عالم الأعمال بمثابة البوصلة التي توجه القرارات الاستراتيجية وتضمن استدامة الأعمال. ولا شك أن الشركات الريادية، بطبيعتها الطموحة والمبتكرة، تواجه تحديات فريدة ومخاطر قد تكون خفية وغير متوقعة.
تتجاوز إدارة المخاطر مجرد تحديد التهديدات المحتملة كونها عملية ديناميكية تتطلب فهماً عميقاً لطبيعة الأعمال، وقدرة على التكيف مع التغيرات، واستعداداً لمواجهة الأزمات. وبالنسبة للشركات الريادية، فإن إدارة المخاطر الفعالة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة حتمية لضمان النجاح على المدى الطويل.
في هذا التقرير سنستكشف أهمية إدارة المخاطر في الشركات الريادية، وسنسلط الضوء على المخاطر الخفية التي قد تواجهها، وسنناقش بعض الاستراتيجيات الفعالة للتعامل مع هذه المخاطر.
◉ مفهوم المخاطر:
المخاطر جمع لكلمة الخطر. وتعني احتمال وقوع ضرر أو خسارة من خلال الأحداث أو المواقف التي تحمل في طياتها إمكانية حدوث شيء سيء أو غير مرغوب فيه، وقد تسبب مشكلة أو ضررًا في المستقبل إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح.
أثر إدارة المخاطر في تحقيق النجاح
%
87 % من المديرين التنفيذيين يعتقدون أن إدارة المخاطر أمر بالغ الأهمية لنجاح أعمالهم
◉ لماذا المخاطر الخفية؟
هناك مخاطر توصف بـ”الخفية” لأنها غير واضحة أو مباشرة، مما يجعل من الصعب تحديدها والتعامل معها بشكل استباقي.
لذا من الضروري أن تكون الشركات الريادية على دراية بهذه المخاطر وأن تضع خططًا للتخفيف من آثارها المحتملة.
ونصفها هنا بمخاطر خفية” لعدة أسباب:
● صعوبة التوقع: غالبًا ما تكون هذه المخاطر غير متوقعة أو يصعب توقعها مسبقًا، خاصة للشركات الناشئة التي تفتقر إلى الخبرة التاريخية والبيانات الكافية.
● الطبيعة غير الملموسة: قد لا تكون هذه المخاطر ملموسة أو قابلة للقياس بسهولة، مثل المخاطر المتعلقة بالثقافة المؤسسية أو الإرهاق المؤسسي.
● التطور التدريجي: قد تتطور هذه المخاطر تدريجيًا بمرور الوقت دون أن يلاحظها أحد حتى تصبح مشكلة كبيرة يصعب التعامل معها.
● التركيز على المخاطر الواضحة: غالبًا ما تركز الشركات الناشئة على المخاطر الواضحة والمباشرة، مثل المخاطر المالية أو التنافسية، مما يؤدي إلى تجاهل المخاطر الخفية.
● قلة الوعي: قد لا يكون لدى رواد الأعمال الوعي الكافي بهذه المخاطر الخفية، مما يجعلهم غير مستعدين للتعامل معها عند ظهورها.
◉ قائمة المخاطر الخفية:
إليك بعض المخاطر الخفية التي تواجه الشركات الريادية والتي قد لا تكون واضحة للعيان:
◎ الإرهاق المؤسسي حيث يؤدي الضغط المستمر لتحقيق النمو والتوسع إلى إرهاق الفريق المؤسس، مما يؤثر على صحتهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات الصائبة.
◎ فقدان التركيز وعدم الرغبة في استكشاف فرص جديدة إلى تشتيت الشركة عن هدفها الأساسي، مما يضعف قدرتها على المنافسة في السوق.
◎ الاعتماد الزائد المفرط على التمويل الخارجي والذي قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على الشركة وتقييد حريتها في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
◎ عدم القدرة على التكيف مع التغيرات السوقية أو صعوبة في التكيف مع التغيرات السريعة في السوق، مما يعرضها لخطر فقدان حصتها السوقية.
◎ الثقافة السامة والتي تدفع للتركيز الشديد والمفرط على تحقيق النتائج، مما يؤثر على معنويات الموظفين ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الاستقالة.
◎ التوسع السريع غير المدروس دون وجود بنية تحتية قوية أو خطة واضحة إلى استنزاف الموارد وتشتيت الشركة عن أهدافها الرئيسية.
◎ عدم القدرة على جذب المواهب والحفاظ عليها بسبب عدم قدرتها على تقديم رواتب ومزايا تنافسية.
◎ المشاكل القانونية والتنظيمية بسبب عدم فهم رواد الأعمال للقوانين واللوائح المحلية والدولية.
◎ فقدان الزخم الأولي بسبب عدم قدرة الشركات الريادية على الحفاظ على الابتكار والتكيف مع التغيرات السوقية.
◎ التعرض للهجمات الإلكترونية بسبب عدم وجود إجراءات أمنية قوية.
ملاحظة: قد تختلف المخاطر باختلاف طبيعة الشركة الريادية والصناعة التي تعمل فيها.
الإرهاق المؤسسي يؤثر سلبًا على أداء الشركات الريادية، حيث يقلل من قدرة المؤسسين على اتخاذ قرارات استراتيجية سليمة ويؤدي إلى تراجع الابتكار.
– وفق دراسة نشرت في مجلة “Journal of Business Venturing“-
◉ مسؤولية قائد الشركة الريادية:
يتحمل قائد الشركة الريادية مسؤولية كبيرة في التعامل مع المخاطر الخفية، حيث يقع على عاتقه ضمان استمرارية الشركة ونموها على المدى الطويل.
تشمل مسؤوليات قائد الشركة الريادية في هذا الجانب:
☑ بناء ثقافة تنظيمية صحية تشجع على الشفافية والتواصل المفتوح، وتسمح للموظفين بالتعبير عن مخاوفهم وأفكارهم بحرية دون خوف من العقاب.
☑ اختيار فريقًا يتمتع بالكفاءة والخبرة والقدرة على التعامل مع التحديات، والعمل على تعزيز روح الفريق والتعاون بين أفراده.
☑ وضع رؤية واضحة للمخاطر المحتملة التي قد تواجه الشركة، والعمل على تقييمها بشكل استباقي ووضع خطط للتعامل معها قبل أن تتحول إلى أزمات.
☑ التواصل بشكل فعال مع فريقه ومع جميع أصحاب المصلحة، ومشاركة المعلومات الهامة حول المخاطر والتحديات التي تواجه الشركة، وأن يشجعهم على المشاركة في إيجاد الحلول.
☑ اتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب، خاصة في الأوقات الصعبة، وتحمل مسؤولية القرارات.
☑ القابلية والاستعداد للتعلم من الأخطاء، والنظر إلى الفشل كفرصة للتعلم والتحسين.
☑ المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات في بيئة الأعمال، وقيادة الشركة بنجاح عبر الأوقات الصعبة.
☑ التركيز على بناء قيمة طويلة الأجل للشركة، واتخاذ قرارات قصيرة الأجل قد تضر بالشركة على المدى الطويل.
يتطلب التعامل مع المخاطر الخفية في الشركات الريادية قائدًا يتمتع بالرؤية والقدرة على بناء فريق قوي، وتقييم المخاطر بشكل استباقي، واتخاذ القرارات الحاسمة، والتكيف مع التغيرات، والتركيز على القيمة طويلة الأجل.
◉ التعامل الأمثل مع المخاطر:
⫸ بناء ثقافة تنظيمية قوية وشفافة:
◀ تشجيع التواصل المفتوح والصريح بين جميع أعضاء الفريق.
◀ خلق بيئة تشجع على طرح الأسئلة والتعبير عن المخاوف دون خوف من العقاب.
◀ تعزيز قيم النزاهة والمساءلة في جميع جوانب العمل.
⫸ الاستثمار في تطوير القادة وبناء فرق عمل متماسكة:
◀ توفير برامج تدريبية وفرص تطوير للقادة والموظفين.
◀ تشجيع العمل الجماعي وبناء علاقات قوية بين أعضاء الفريق.
◀ تعزيز روح التعاون والثقة المتبادلة.
⫸ وضع خطط طوارئ للتعامل مع الأزمات غير المتوقعة:
◀ تحديد المخاطر المحتملة وتقييم تأثيرها على الشركة.
◀ وضع خطط عمل واضحة للتعامل مع كل نوع من المخاطر.
◀ إجراء تدريبات ومحاكاة لاختبار فعالية خطط الطوارئ.
⫸ إجراء تقييمات دورية للمخاطر المحتملة وتحديث الخطط وفقًا لذلك:
◀ مراقبة التغيرات في بيئة الأعمال وتقييم تأثيرها على الشركة.
◀ تحديث خطط إدارة المخاطر بشكل دوري لضمان مواكبتها للتطورات.
◀ إجراء مراجعات منتظمة لأداء الشركة في مجال إدارة المخاطر.
⫸ الاستعانة بخبراء خارجيين لتقييم المخاطر وتقديم المشورة:
◀ الاستعانة بمستشارين متخصصين في إدارة المخاطر لتقييم المخاطر التي تواجهها الشركة.
◀ الحصول على مشورة الخبراء حول أفضل الممارسات في إدارة المخاطر.
◀ الاستفادة من خبراتهم في تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر.
⫸ تنويع مصادر الدخل وتجنب الاعتماد المفرط على مصدر واحد:
◀ استكشاف فرص جديدة لتنويع مصادر الدخل.
◀ تجنب الاعتماد المفرط على عميل واحد أو منتج واحد أو سوق واحد.
◀ بناء محفظة أعمال متنوعة للحد من المخاطر.
⫸ الحفاظ على مرونة الشركة وقدرتها على التكيف مع التغيرات:
◀ بناء هيكل تنظيمي مرن يسمح بالتكيف السريع مع التغيرات.
◀ تشجيع الابتكار وتجربة أفكار جديدة.
◀ الاستعداد للتخلي عن الأفكار أو المنتجات التي لم تعد تحقق النجاح.
⫸ الاستثمار في الأمن السيبراني وحماية البيانات الحساسة:
◀ وضع سياسات وإجراءات أمنية قوية لحماية البيانات الحساسة.
◀ تدريب الموظفين على أفضل الممارسات في الأمن السيبراني.
◀ الاستثمار في التقنيات الأمنية المتطورة.
⫸ بناء علاقات قوية مع العملاء والموردين وشركاء الأعمال:
◀ التواصل الفعال وبناء علاقات ثقة مع العملاء والموردين وشركاء الأعمال.
◀ التعامل بشفافية وإنصاف مع جميع الأطراف.
◀ بناء سمعة طيبة للشركة في السوق.
⫸ تعزيز الشفافية والمساءلة:
◀ إنشاء قنوات اتصال واضحة لتلقي الشكاوى والمخاوف.
◀ ضمان الشفافية في عمليات صنع القرار والإبلاغ عن الأداء.
◀ محاسبة الأفراد على أفعالهم وقراراتهم.
العلاقة بين تحقيق الأهداف الاستراتيجية وإدارة المخاطر:
%
69 % من الشركات التي لديها برنامج إدارة مخاطر ناضج حققت أهدافها الاستراتيجية
من المهم أن تقوم الشركات الريادية بتقييم شامل للمخاطر التي تواجهها وأن تضع خططًا استباقية للتخفيف منها.
◉ أكبر ثلاثة تحديات تواجه الشركات في إدارة المخاطر -وفقا للدراسات- هي:
تحديد وتقييم المخاطر الناشئة (بنسبة 56%):
𒑱 يشير هذا التحدي إلى صعوبة تحديد وتقييم المخاطر الجديدة أو غير المتوقعة التي قد تنشأ بسبب التغيرات السريعة في البيئة التكنولوجية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. قد تكون هذه المخاطر غير واضحة أو يصعب التنبؤ بها، مما يجعل من الصعب على الشركات الاستعداد لها والتخفيف من آثارها.
⏮︎ أمثلة لهذا الخطر: المخاطر الناشئة الهجمات الإلكترونية، وتقلبات الأسواق المالية، والكوارث الطبيعية، والأوبئة.
نقص الموارد والمهارات في إدارة المخاطر (بنسبة 48%):
𒑱 يشير هذا التحدي إلى عدم وجود موارد كافية، مثل الموظفين المدربين والميزانيات المخصصة، للتعامل مع إدارة المخاطر بشكل فعال. قد تواجه الشركات أيضًا نقصًا في المهارات والخبرات اللازمة لتحديد المخاطر وتقييمها وإدارتها بشكل استباقي.
⏮︎ أمثلة لهذا الخطر: نقص الموارد والمهارات عدم وجود فريق متخصص في إدارة المخاطر، أو عدم كفاية التدريب على إدارة المخاطر للموظفين الحاليين، أو عدم وجود أدوات وتقنيات مناسبة لإدارة المخاطر.
صعوبة قياس فعالية إدارة المخاطر (بنسبة 43%):
𒑱 يشير هذا التحدي إلى صعوبة قياس مدى فعالية استراتيجيات وإجراءات إدارة المخاطر في الشركة. قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كانت الإجراءات المتخذة للتخفيف من المخاطر فعالة أم لا، وما إذا كانت الشركة تحقق أهدافها في إدارة المخاطر.
⏮︎ أمثلة لهذا الخطر: صعوبة قياس فعالية إدارة المخاطر عدم وجود مؤشرات أداء رئيسية واضحة لإدارة المخاطر، أو عدم القدرة على تتبع تأثير المخاطر على أداء الشركة، أو عدم وجود نظام فعال لتقييم وإعداد التقارير عن إدارة المخاطر.
◉ توصيات:
⬬ يجب أن تكون الشركات الريادية مستعدة لاحتمال الفشل وأن تتعلم من أخطائها.
⬬ يجب الاهتمام بالتكنولوجيا كونها تساعد في تحديد المخاطر الخفية وتحليلها وإدارتها بشكل أكثر فعالية.
⬬ الاستثمار في بناء شبكة دعم قوية لدعم الشركات الريادية في أوقات الأزمات.
⬬ من المهم الاحتفال بالنجاحات الصغيرة للحفاظ على معنويات الفريق وتحفيزهم.
⬬ يجب على رواد الأعمال ألا يخجلوا من طلب المساعدة عند الحاجة.
⬬ يجب أن تكون الشركات الريادية مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات.
⬬ يجب على رواد الأعمال أن يركزوا على بناء قيمة طويلة الأجل لشركاتهم.
⬬ يجب على الشركات الريادية أن تولي اهتمامًا خاصًا بصحة الفريق ورفاهيته.
⬬ يجب على رواد الأعمال أن يستمروا في التعلم والتطور.
◉ الخلاصة:
❞إدارة المخاطر هي عملية حيوية للشركات الريادية، حيث تساعد على تحديد وتقييم المخاطر المحتملة، خاصة المخاطر الخفية التي قد تكون غير واضحة أو يصعب توقعها، الأمر الذي يتطلب التعامل الأمثل مع المخاطر، من خلال بناء ثقافة تنظيمية قوية وشفافة، والاستثمار في تطوير القادة وبناء فرق عمل متماسكة، وضع خطط طوارئ للتعامل مع الأزمات غير المتوقعة..❝.